من كان السبب؟ قصة قصيرة
صفحة 1 من اصل 1 •
- عضو فعال
- ✎ مساهماتي : 1044
- $ نقاطي : 19069
- ✿ الاعجابات : 81
- ♥ عمري : 28
- ✔ تسجيلي : 19/03/2015
من طرف ضوء القمر
.3/7/2015, 18:15
لقد مرَّ وقتٌ ليس بالطويل و لا بالقصير على تلكَ الحادثةِ ..
ما زلتُ أفكر و أسألُ نفسي في أعماقي : " من كان السبب ؟ " .
قبل سنتين تقريبًا تخرجتُ من الجامعة ، و نجحتُ باختبار قبول التوظيف في مدرسةٍ
خاصة بتقدير ممتاز ، لقد كنتُ سعيدة لأنني ما زلتً أحتفظ بتلكَ المعلومات الكثيرة ..
و قد كنتً خائفة و متوترة فقد قبلتً كمعلمة في هذه المدرسة الأساسية ، و ليس لي أدنى فكرة
عن كيفية التعامل مع الأطفال و توجيههم .
بدأتْ السنة الدراسية دون أن أشعر و قد كنتُ مسؤولة عن الصف الرابع .. لقد كان شيئًا مضحكًا ..
فلم يصدقوا أنني معلمتهم .. حسنًا كثيرون قالوا لي أني قصيرة و ضئيلة الحجم .
عانيتُ كثيرًا معهم لكن بطريقةٍ ما أحبوني و قد بادلتهم الشعور ذاته . هذه ليست قصتنا الأصلية ..
بل بدايتها ، فقد كان في الصف الرابع طفل يدعى شادي ..
لقد كان طفلًا مشاكسًا لدرجةٍ لا توصف .. ما المهم في هذا الآن ؟ ..
لقد كان لذلك الطفل أختٌ صغرى تدعى شذى .. و كانت في الصف الثاني .. لم تختلف هذه الطفلة عن أخيها فهي كثيرة الحركة ..
و لكن في ذلك اليوم و في وقت عودة الطلاب إلى منازلهم أتتني راكضة .. و قالت بصوتها الطفولي البريء
- معلمة عُلا أنا أحبكِ كثيرًا ..
- و أنا أيضًا أحبكِ..
أعادت تلك الكلمة مرة ثانية و أجبتُ بنفس الكلمة .. ثم أعادتها مرة ثالثة .. فمللتُ من الأمر و رددتُ بصوتٍ عالٍ
- فهمت .. هيا اذهبي إلى الحافلة ..
ضحكت ضحكتها المعتادة و عانقتني بقوة .. أفلتها مني لاستعجالي
- هيا اذهبي قبل أن تغادر الحافلة ..
ذهبت راكضة و على فمها ابتسامة مشرقة ..
بعد عشرين دقيقة من مغادرة الحافلة جاء خبر صاعق " لقد دهستها الحافلة "
ارتجفت بمكاني .. و حركت شفتاي بصوتٍ ينكر الإجابة قبل سماعها ..
- من ؟
- شذى .. لقد دهستها الحافلة .. أخذتها سيارة الإسعاف الآن ..
صعدنا السيارة بشكل جنوني و أسرعنا خلف سيارة الإسعاف التي تقلها .. لا ندري ما الذي ستحققه
هذه السرعة و ما الذي ستغيره .. لكننا نسرع فقط ..
و نرجو من أعماق قلوبنا - التي بكت قبل أعيننا - أن تبقى على قيد الحياة ..
وصلت السيارة إلى المشفى .. قالوا لنا : " هناك نزيفًا داخليًا في رأسها " .. فأدخلوها غرفة العمليات ..
لم تمر سوى خمسة عشر دقيقة حتى خرج ذلك الطبيب .. و نزع كمامته و هو ينظر إلى الأرض ..
ثم رفع رأسه ببطء و نظر نحو أعيننا التي طرحت الأسئلة بدلًا عن أفواهنا ..
- لقد ماتت ..
تلك الكلمة الجافة طعنتني في صدري بقوة و فاضت عيناي بالدموع حتى ذبلتا ..
عدتُ إلى المنزل شاحبة .. كانت أمي و أخواتي الثلاث يجلسن في المطبخ .. عبست أمي و نظرت نحوي ..
- ما الذي حدث ؟
- طالبة في الصف الثاني دهستها الحافلة و ماتت ..
- لا حول و لا قوة إلا بالله ..
نظرتُ نحو أختي الصغرى ذات الأربعة عشر عامًا .. كانت دموعها تسيل بصمت ، و فجأة بدأت ترتجف قليلًا ..
كنتُ أتمنى أن أقول ما حدث دون أن تعلم .. فهي حساسة للغاية لا تستحمل هذه المواضيع و سيؤثر
ذلك على محصولها الدراسي .. لأنها ستبكي كلما تذكرت ذلك ..
- كيف دهستها الحافلة ؟
نعم كيف دهستها الحافلة ؟.. من كان السبب في جعل الحافلة تدهسها .. ؟
- لقد ترك أخوها حقيبته في الحافلة و عند وصولها لمنزلها .. حملت حقيبة أخيها و حقيبتها .. لكن ما الذي
يستطيع ذلك الجسد حمله ؟ .. سقطت حقيبتها منها .. جلستْ على الأرض لتحملها .. و أثناء ذلك عادت
الحافلة نحوها دون أن تراها و اصطدمت برأسها .. صرخت و أغمي عليها .. هرعوا إليها .. أمسكها السائق
و أخذ يركض بجنون و هو يبكي ، فقد كانت ابنة صديقه العزيز .,
بعد تلك الحادثة بقيَ السؤال يتردد داخلي .. " من كان السبب ؟ " .. من كان السبب في موتها ؟ ..
أهي حقيبة أخيها ؟ .. أم وقوع الحقيبة منها ؟ .. أم إهمال المرافقة لها ؟ .. أم عدم انتباه السائق لها ؟..
نعم الجواب ليس من تلك الخيارات .. لقد جاء أجلها .. هذا فقط
أرادت أن تعطيني رسالتها الأخيرة قبل موتها " أنا أحبكِ " .. ليتني عانقتها بقوة أكثر
ليتني قضيتُ الكثير من الوقت معها .. مهما تمنيت الآن لن يعود شيء .. لقد غادرت و لن تعود
لا شيء لدي لأفعله سوى ذرف الدموع على تلك الطفلة الصغيرة .. لكن لأي مدى علي البكاء ؟
أختي الصغرى ذرفت الدموع عليها دون أن تراها مرة واحدة .. فماذا أفعل أنا عند تذكر
وجهها و كلماتها الأخيرة ؟ .. لا أعلم حقًا .. لكنّ أختي الصغرى أحست بحالي
فقد ذبل وجهي و غارت عيناي للداخل .. فبعد أيام وجدتها قد أحضرت لي فنجانًا
صغيرًا جميلًا .. ذو لونٍ أبيض .. و ابتسمت و هي تمده لي
- استعيدي صحتكِ و افرحي من جديد ..
- شكرًا لكِ .. إنه جميل
لقد حاولت إسعادي بشدة .. فقد علمت أنّ عيوني جفت من شدة البكاء و لكنها سألت سؤالًا
- لماذا حزنتي بشدة مع أنكِ لا تدرسينها ؟
نعم لماذا حزنت ؟ .. لم أكن أدرّسها و باقي المعمات لم يذرفن الدمع عليها .. إذن لماذا ؟
هل لأنها طفلة ؟ .. أم هي حقيقة أنها لم تعد موجودة في هذا العالم ؟ ..
لا أعلم لذا رددتُ عليها بسؤال آخر
- لماذا بكيتِ عندما سمعتِ أنها ماتت ؟
- من الطبيعي أن يحزن الشخص على موت الآخرين .. لا سيما أنها طفلة
إنها تعلم الجواب الصحيح .. بالتأكيد سيصيبنا الحزن عند موت أحدهم و لو لم نقابله
بعد شهر من موتها .. حان وقت كتابة علامات الطلاب .. كنتً متجهة نحو غرفة المعلمات ..
لكنّ الغرفة كانت فارغة .. و لا يوجد شيء على الطاولة سوى سجل الصف الثاني
و قد كُتب بجانب اسمها .. انتقلت إلى جنان الرحمن
---------------------------------------------------------------------------------------
أرجو من الله أن أكون قد وفقت في طرح هذه القصة
و أنتظر تقييمكم و ردودكم بفارغ الصبر
إلى أن نلقاكم في موضوع آخر
في أمان الله
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى