تصل أنواع الاكتئاب  إلى نحو 46 نوعا، أهمها الاكتئاب التفاعلي، الاكتئاب الموسمي، الاكتئاب المزمن، الاكتئاب الذهاني، اكتئاب سن اليأس، اكتئاب الشيخوخة، الاكتئاب المتكرر، اكتئاب ما بعد الولادة، الاكتئاب العضوي.
ويعرف الأخصائيون الاكتئاب الموسمي بأنه يشمل حالات الإرهاق التي تنتاب البعض وتسبب لهم حالة من العزوف عن بذل أي نشاط، حتى أنها تختلط في بعض الأحيان وربما تمتزج هذه الحالة مع نوع من الأحزان وخيبة الأمل والبكاء وفقدان الشهية، وتترافق مع اضطراب النوم مع الإحساس الدائم بعدم القدرة على مواصلة الحياة والكفاح من أجلها، وقد تطّرد هذه الحالة في معدلها فتؤدي إلى الانتحار.

ويذكر أن هناك جملة من الدراسات الحديثة أجريت على الاكتئاب الموسمي أظهرت أنه يُصيب السيدات بنسبة أكبر. ويظهر هذا الشعور في أوقات معينة من العام، وبالأخص عند تغير المواسم، وهو ليس له أي سبب منطقي. ولكن ينتاب الشخص فيه شعور بالإحباط وهبوط الهمة والكسل.

ويظهر هذا النوع من الاكتئاب، بشكل ملحوظ، لدى المرأة ويكون، أحيانا، بلا سبب جوهري. وينصح الأطباء الأشخاص بمعرفة هذه الحالة وفهمها واستيعاب هذا الشعور الغريب الذي قد يكون السبب في كثير من المشاكل بين الأزواج.

ويكون الاكتئاب الموسمي، أيضا، على المستوى المهني، حيث يكون الإنسان أكثر عدوانية وأقل صبراً في تحمُّل تفاصيل الحياة اليومية، مما يشكّل خطراً كبيراً يتمثل في اتخاذ قرارات متسرعة وعنيفة..
ويرى د. محمد أحمد، أستاذ الطب النفسي، بجامعة الأزهر، أن اكتئاب آخر الشهر يندرج تحت مسمى الاكتئاب الموقفي. وهو يُعد أحد أنواع الاكتئاب الأكثر شيوعاً ويُصاب به الإنسان، أكثر من مرة طوال حياته.

ويتسم مريض هذا النوع من الاكتئاب بعدم القدرة على التكيُّف، والتي تتضح بصورة كبيرة عندما يتعرض لظروف حياتية شديدة الصعوبة مثل: الأزمات المادية، أو الرسوب في امتحان، أو مقابلة عمل، أو التعرُّض لصدمات عاطفية، وأحياناً نتيجة حادث سيارة، وغيرها من المواقف الحياتية المتكررة. وينجُم عن ذلك إصابة الشخص بإحباط شديد، ومع الاستمرار لفترة طويلة يتحوّل إلى اكتئاب.
أما أسبابه فهي ثلاثة عوامل، هي شخصية الإنسان ومدى معرفته بالمهارات الاجتماعية والنفسية، وكذلك مهارات التواصل والسيطرة على الذات والتحكم في النفس التي تكسبه القدرة على التكيُّف وحل المشكلات.

ويعتمد تكيُّف الإنسان على وسائل الدفاع النفسي وكيفية تحديده لاستراتيجية معينة يتغلب بها على الأزمة النفسية عن طريق إزاحة مشكلة معينة من تفكيره تماماً وكأنها لم تحدث، أو أن يقوم الإنسان بتأجيل التفكير في الأزمة. وفي حالات أخرى يتمكّن الشخص من حل المشكلات وفقاً لخطوات مرتبة ومدروسة. وغالباً ما تكتسب هذه المهارات من خلال الخبرات الحياتية، أما إذا تصاعدت حدة الاكتئاب الموقفي لدرجة تحول دون قيام الإنسان بمهامه الأساسية، فيمكن التدخل العلاجي من خلال التوجه إلى طبيب نفسي يساعده على تعلم هذه المهارات.

الأطباء يصفون ممارسة التمرينات الرياضية بشكل متزايد لأولئك الذين يعانون من الاكتئاب
ويعتبر اكتئاب سن اليأس اكتئاباً شديداً في عمر متأخر، ويظهر هذا المرض عند النساء بين سن 45-50 وعند الرجال من سن 55 –65 وهو العمر الذي تبدأ فيه التغيرات العقلية والجسمية المصاحبة لسن اليأس وضمور الغدد التناسلية؛ والذي يكون أكثر وضوحاً في النساء لانقطاع الطمث.

ولكن تجب تفرقته عن أعراض توقف الطمث الشهري من عرق غزير وسخونة في الوجه وسرعة التأثر. وكثيراً ما يبدأ اكتئاب سن اليأس بأعراض عصبية مثل الخوف المرضي من الموت أو من الأمراض أو من الخروج من المنزل أو من الأماكن العالية، أو بأعراض قهرية حركية أو فكرية أو طقوس خاصة أو سلوك هستيري، ويكون ذلك فجأة دون أن تكون الشخصية السابقة للمرض هستيرية أو قهرية أو عصبية.

كما يتميز بالهمّ والقلق والاهتياج والأرق الشديد، كذلك فإن مشاعر الذنب والانشغالات الجسدية تكون موجودة في الغالب ، وإدانة الذات والاتجاهات الهدّامة والعدمية.
وتجدر الإشارة إلى أن معظم السيدات يصبن باكتئاب ما بعد الولادة. فيصبن بحالات خفيفة من الحزن وانشغال البال عقب الولادة وهي ما يسميها البعض (حزن الوالدات). وهي تبدأ في الأيام الأولى عقب الولادة، والأم لا تزال في المستشفى، أو في سرير الولادة إن تمت الولادة في المنزل. وتصاب الأم في هذه الفترة بالبكاء والحزن أو القلق الخفيف. ولكن سرعان ما تستعيد حالتها النفسية الطبيعية، ملتفتة إلى طفلها الجديد وحياتها الجديدة.

أما الاكتئاب العصابي فيكون استجابة لحادثة محزنة يمكن تحديدها والتعرف عليها بالفعل. وفي هذا النوع من الاكتئاب يتحدث المصاب عن نوع من اليأس والقنوط، يتناسب طردياً مع الحادثة أو الواقعة التي خيبت رجاءه أو فجعته.

ويستمر هذا اليأس والحزن والانقباض فترة أطول من الفترة المعتادة أي أن الإنسان السوي لو تعرض لمثل هذه الحادثة أو الواقعة لاستجاب لها بدرجة أقل من الانفعال والحزن، أو كانت انتكاسته لفترة زمنية أقصر.

وصاحب هذا النوع من الاكتئاب لا يعاني من هلوسات ولا تراوده الأفكار الانتحارية، وهو يدرك مرضه ويسعى لعلاج نفسه، إما في العيادة النفسية أو بالاتصال بمتخصصين في العلاج النفسي نظراً لأن اتصاله بالواقع الخارجي لا زال موجوداً وتحولاته البدنية قليلة وميوله الانتحارية نادرة ولا تتعدى النطق ويتحسن باستخدام الأدوية وبالعلاج النفسي والاجتماعي.

ويرى الباحثون أن الاكتئاب الذهاني شكل متطرف من أشكال الاكتئاب وهو لا يعود إلى حادثة معينة مباشرة وإنما يرتبط بحالة نفسية داخلية لا شعورية. والمصاب هنا لا يدرك السبب الحقيقي لحزنه ولمشاعر التعاسة التي تغمره، الأمر الذي يضعف قدرة المقاومة والتحليل المنطقي لديه ويسهل استسلامه للأوهام والهذيان.

ويمتاز الاكتئاب الذهاني بأنه أكثر شدة وخطورة وهو نوع من الاكتئاب يميل المريض فيه إلى الشعور بالرغبة في الموت ويعاني من الأرق ومن لوم الذات ويعجز عن تكوين الارتباطات ولا يميل للضحك ويضخّم المشكلات التي تجابهه ويحط دائماً من قدر نفسه ويميل إلى البطء والتراخي في نشاطه ويعاني من الأوهام المختلفة.

وللوقوف على أسباب الاكتئاب وطرق علاجه، أكد د. فيصل إبراهيم أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس، أن الاكتئاب هو شعور يُعبّر عن مجموعة من الأعراض المركبة التي تختلف من فرد إلى آخر. فالبعض قد يتخذ لديهم الاكتئاب شكل أحاسيس قاسية من اللوم وتأنيب النفس، ويأتي عند البعض الآخر مختلطاً مع شكاوى جسمانية وأمراض بدنية، أو ربما يأتي على شكل مشاعر بالأسى والملل السريع من الحياة والناس، وربما تجتمع كل هذه الأعراض معاً في شخص واحد.

وأرجع د. فيصل كثرة الإصابة بالاكتئاب إلى تلوث الجو؛ لأن تلوث الهواء يؤدي إلى تغيير مستوى الأملاح المعدنية ومكونات الدم، بما يؤثر على الجهاز العصبي ومراكز الأعصاب في المخ. وتلوث الهواء يعني نقص الأوكسجين وهو المسؤول أساساً عن تغذية المخ والقدرة على التركيز، ولكن المثقفين هم أكثر الناس تعاسة واكتئاباً، فالمثقف أكثر الناس عرضة للاكتئاب النفسي، حيث تتنازعه الحالة الاكتئابية بالتناوب مع نقيضها الذي يتمثل في النشاط والانطلاق والتفاؤل ومشاعر السعادة الغامرة.

ومن السهل جداً التعرُّف على الشخص المكتئب من خلال التعبيرات وعلامات الحزن المرسومة على وجهه، وقد تصاحب ذلك اضطرابات في معظم أجهزة الجسم، خصوصاً الدوري والهضمي والغدد والأعصاب. ويؤثر الاكتئاب على نوم الشخص فيستيقظ عند الفجر بعد نوم متقطع غير مريح، أو قد يستغرق عدة ساعات قبل الدخول في النوم، تداهمه في تلك اللحظات الأفكار السوداء والوساوس. كما يفقد المكتئب شهيته للطعام ويفقد وزنه، وكذلك يفقد شهيته للجنس مثلما يفقد أي رغبة في الحياة.

الاكتئاب الذهانييمتازبأنه أكثر شدة وخطورة وهو نوع من الاكتئاب يميل المريض فيه إلى الشعور بالرغبة في الموت
ويرى العلماء أن علاج الاكتئاب يعتمد بالدرجة الأولى على العقاقير؛ نظراً للتغيرات الكيميائية التي يحدثها بالجسم، ثم يأتي بعد ذلك العلاج النفسي والبيئي والعلاج بالصدمات الكهربائية. وأدوية الاكتئاب كثيرة ومتعددة، ويأتي اختبار الطبيب لها حسب نوعية وشدة الأعراض الاكتئابية.

وقالت دراسة بريطانية إن الأطباء يصفون ممارسة التمرينات الرياضية بشكل متزايد لأولئك الذين يعانون من الاكتئاب. وذكرت الدراسة التي أجرتها مؤسسة الصحة العقلية، وشملت 200 طبيب من الذين يندرجون تحت فئة ممارس عام، أن 22 بالمئة منهم يصفون التمارين الرياضية لأولئك الذين يعانون من الاكتئاب المتوسط.

يذكر أن 5 بالمئة فقط من الأطباء كانوا يصفون التمارين الرياضية كعلاج للاكتئاب المتوسط. وقالت المؤسسة إنه من المهم ألا يركز الأطباء على وصف العقاقير المضادة للاكتئاب باعتبار أن هناك وسائل أخرى.

وقال البحث إن التمارين الرياضية تساعد الذين يعانون من الاكتئاب من الدرجة المتوسطة لأنها ترفع من تقديرهم لأنفسهم من خلال تحسين صورة أجسادهم أو تحقيق أهدافهم. كما أن التمارين الرياضية تساعد في إفراز المخ لمواد كيميائية مثل “الأندورفينس″ التي تجعل الإنسان يشعر أنه في حالة أفضل. وتقول سيليا ريتشاردسون المديرة بمؤسسة الصحة العقلية: “إن التمارين يمكنها أن تساعد الناس جسديا واجتماعيا وبيولوجيا”.

ووجدت الدراسة أن عدد الأطباء الذين يؤمنون بفوائد العلاج بالتمارين قد ارتفع بدرجة كبيرة. ويقول أندرو ماكولوغ، المدير التنفيذي بمؤسسة الصحة العقلية: “إن الاكتئاب مرض معقد لذلك يجب أن يكون العلاج متنوعا وأن يتاح للمرضى فرصة للاختيار”.

ومن جانبه، قال البروفيسور ستيف فيلد من الكلية الملكية للطب العام: “إن هناك وعيا في الوقت الحالي بين الأطباء لفوائد التمارين وهناك دليل متزايد على فعاليتها، ورد الفعل من جانب المرضى يؤكد على فوائدها الكبيرة”.